قراءات مع د.كاريل : وفيك إنطَوَى العالمُ الأكبرَ

لا يمُر يوم دون أن نعرف أن الحضارة المدنية المعاصرة خطت خطوات كبيرة للأمام،حتى الأرض التي نعيش عليها لم تعد تهمها بل تتطلع الى ملايين السنوات الضوئية، تبحث لها عن موطئ قدم هناك. لتدع الإنسان مدهوشا تارة،مغلوبا على أمره تارة أخرى.

أماعلوم الحياة الإنسانية مازالت كما هي علوم كثيرة و ليست علم مكتفي بذاته، بل مثله كمثل شجرة عملاقة تملك آلاف مؤلفة من الأغصان… و كل علوم الحياة هاته و بتعقيدها المطلق خصصت لفهم الإنسان!

كتابنا اليوم كتبه طبيب و يمكن أن ندرجه ضمن السهل الممتنع،لذا فإنني أمنحك دعوة لإكتشافه أكثر مما أقدم لك مراجعة مكتملة الأركان.

حسب الكاتب الكتاب يقدم نظرة علمية للإنسان (فيسيولوجيا الانسان) ، يقول في وصف نفسه:

لست فيلسوفا , ولكنني رجل علم فقط , قضيت الشطر الاكبر من حياتي في المعمل أدرس الكائنات الحيه , والشطر الباقي في العالم الفسيح أراقب بني الانسان , واحاول ان افهمهم, ومع ذلك فإنني لا أ دعي أنني اعالج أمورا خارج نطاق حقل الملاحظه العلميه.


📚 معلومات عامة:

اسم الكتاب: الإنسان ذلك المجهول

عدد الصفحات : 247

النوع : علوم

الكاتب: ألكسيس كاريل

✍️ صاحب الكتاب

ألكسيس كاريل (Alexis Carrel) كان طبيبًا جرّاحًا فرنسيا، ولد في 28 يونيو 1873 وتوفي في 5 نوفمبر 1944 في باريس، حصل على جائزة نوبل في الطب عام 1912، ومن أشهر كتبه كتاب (الإنسان.. ذلك المجهول)، الذي يضم تجاربه عن الإنسان والحياة.


✍️ ملخص

حاولت ابراز بعض الأفكار التي لفت انتباهي في الكتاب و ليس كلها طبعا و ابرز الإقتباسات التي ميزت بعض الفصول حتى تكون لديك صورة عامة لو كان عندك فضول لقرائته.

الكتاب يتكون من 8 فصول:

  • الفصل الاول: الحاجة الى معرفة الانسان معرفة افضل
  • الفصل الثاني: علم الانسان
  • الفصل الثالث: الأنشطة الفسيولوجية
  • الفصل الرابع: النشاط العقلي
  • الفصل الخامس: الزمن الداخلي
  • الفصل السادس:الوظائف التكيفية
  • الفصل السابع: الفرد
  • الفصل الثامن:اعادة صياغة المعرفة الانسانية
  • الفصل الأول: الحاجة الى معرفة الانسان معرفة افضل

“هناك تفاوت عجيب بين علوم الجماد وعلوم الحياة .. فعلوم الفلك والميكانيكا والطبيعه تقوم على اراء يمكن التعبير عنها بسداد وفصاحة باللغة الحسابيه .. وقد انشأت هذه العلوم عالما متناسقا كتناسق اثار اليونان القديمه .. انها تنسج حول هذا العالم نسيجا رائعا من الاحصاءات النظريه..انها تبحث عن الحقيقه فيما وراء مملكة تمتد من الفكر الشائع الى المعنويات غير المنطوقه التي تتكون من المعادلات الجبريه والرموز فقط…بيد ان موقف علوم الحياة يختلف عن ذلك كل الاختلاف حتى ليبدو كأن اولئك الذين يدرسون الحياة قد ضلوا طريقهم في غاب متشابك من الاشجار …”

حيث يبين الكاتب أن علوم الانسان شئ لا يمكن تفسيره لأننا لا نملك أساس نستطيع ان نبني عليه بل كل ما نملكه مجموعة الظواهر البشرية اسست لنظريات لا تقدم فهم حقيقيا،منطقيا و علميا لعلوم الإنسان ما جعل تطورمجالها متأخرا و يرجع هذا التأخر في العلوم الحياة الى الانسان لأنه طور حضارته المدنية العصرية فتخطته و تجاوزت الطبيعة الإنسانية و تعقيد علوم الإنسان حسب الكاتب.

  • الفصل الثاني: علم الانسان

يقول الكاتب:

 “ان جهلنا بأنفسنا ذو طبيعة عجيبة , فهو لم ينشأ من صعوبة الحصول على المعلومات الضروريه او عدم دقتها او ندرتها .. بل بالعكس انه راجع الى وفرة هذه المعلومات وتشوشها بعد ان كدستها الانسانيه عن نفسها خلال القرون الطويلة , هذا الى ماعمد اليه العالماء الذين حاولو دراسة جسم الانسان ووجدانه من تقسيمه الى عدد لايكاد يحصى من الاجزاء .. وهذه المعلومات لم تستخدم الى حد بعيد وسبب ذلك انها لاتصلح للاستخدام”

يوضح الكاتب في هذا الفصل تعقيد علم الانسان فهو علم متصل بعلوم كثيرة و ليس مكتفي بفسه فقط و ضرورة تحري الدقة في اختيار المعلومات الصحيحة الصالحة للإستخذام.

  • الفصل الثالث: الأنشطة الفسيولوجية

فصل علمي بحث يتحدث عن الخلايا،الأنسجة و طريقة عمل الوظائف بلغة بسيطة سهلة الفهم،يشرح لك تكوين الانسان بشكل علمي.

  • الفصل الرابع: النشاط العقلي

يقول الكاتب:

“الروح هي الجانب الإنساني المحدود الذي يميز الإنسان عن جميع الحيوانات الأخرى و نحن حتى الان غير قادرين على توصيف الروح رغم إلتصاقها بنا و بالجسد…أضف إلى ذلك الفكر و العقل البشري النابع من ذاتنا و أعماقنا دون تفسير قابل للقياس”

طرح الكاتب تساؤلات فلسفية عن الروح و العقل و يحاول الإجابة عنها و دفعنا نحن أيضا لطرح المزيد من الأسئلة و عدم تجاهل الأمر.

  • الفصل الخامس: الزمن الداخلي

ان مفهوم الزمن الداخلي-النفسي- ،هو على النقيض تماما من الزمن العادي تماما الذي يبدأ من الماضي و ينهش مستقبل و الذي يظهر جليا في الشيخوخة والمرض التي يرزح العقل تحث وطئتها حسب الكاتب.

  • الفصل السادس: الوظائف التكيفية

حسب الكاتب التكيف الفيسيولوجي منح لجميع الكائنات حيث ابرز أهم تصنيفاته و مميزات كل صنف، فهاته الوظائف التكيفية هي الأساس لبقائنا.

  • الفصل السابع: الفرد

يقول الكاتب :

“أصبح الفرد متخصصا غير أخلاقي،غير ذكي و غير قادر على إدارة نفسه…”

الانسان هو نتاج المجتمع المعاصر الحديث و لا يستطيع التكييف مع بيئته لأن علومها و تكنولوجيتها تسبقه دوما و الخطأ نحن أصحابه لأننا ركزنا على الحضارة و نسينا جهد أجدادنا حسب الكاتب.

  • الفصل الثامن: اعادة صياغة المعرفة الانسانية

يجب أن نحرر أنفسنا من التكنولوجيا و لن تخلص من من العالم الذي خلقته علوم المادة الخام و ذلك بالرجوع الى قيمنا الحقيقية باستعمال قوة المعرفة التي نمتلكها لنتخطى زوال البشرية من وجهة نظر الكاتب.


 🎨 إنطباع

كتاب جميل رغم ان الكاتب نفى صفة الفلسفة في كتابه فأنت تراها بين الأفكار التي يطرحها الكاتب،فهو جمع بين علم الفيسيولوجيا و الفلسفة. لدى انت تحتاج ان تقرأ لتفهم افكاره التي يريد إيصالها لك في هذا الكتاب ويقدم معها فيض من المعلومات بطريقة بسيطة للمتلقي هناك افكار قد لا تتفق فيها مع الكاتب خاصة في بعض أفكاره العنصرية و لكن ستتفق معه أظن في فكرته الرئسية لكتابه هذا حول خطورة علمنا المادي و تطوره على حساب فهم حقيقتنا الإنسانية.


💮 إقتباسات

يجب ان يعيد اانسان صياغة نفسه حتى يستطيع التقدم ثانية.. ولكنه لايستطيع صياغة نفسه دون ان يتعذب .. لانه الرخام والنحات في وقت واحد.

“…..ولهذا السبب استطاع (ادلجتون) و (جان) ان يدخلا في روع قراء كتبهما عن الفلك ان الانسان تافه جداً في هذا العالم، و حقيقة الامر أن كبر أبداننا أو ضآلتها مسأله لا أهمية لها على الاطلاق، لأن الاشياء المحدودة في الانسان لا ابعاد مادية لها، و معنى وجودنا في الحياة لا يعتمد قطعاً على جرمنا.”

“إن الإنسان يعلو كل شيء في الدنيا ، فإذا انحطّ وتدهور ، فإن احتمال الحضارة ، بل حتى عظمة الدنيا المادية ، لن تلبث أن تزول وتتلاشى .”


نُشرت بواسطة

hasan mohamed

محمد شاب شغوف بالقراءة في مجالات متنوعة و يحب مشاركة أفكاره و تجاربه مع الأخرين.

فكرة واحدة بشأن "قراءات مع د.كاريل : وفيك إنطَوَى العالمُ الأكبرَ"

  1. للوهلة الأولى ذكرتني صورة الكاتب بالدكتور محمد الصفي، وزاد نظم كلامه المرتب، لاحظتُ دائمًا أن كل طبيب يتفاوت بين وصفين: سوبر انسان، وبقايا انسان!

    لفتني الفصل الرابع: النشاط العقلي، وتذكرتُ وأنا أقرأ المُقتبس قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) وقد رافقني هذا السؤال فترة طويلة، واستسلمتُ في المنتهى لغزارة الطرق التي أوصلتني كل مرة إلى فكرة مشوشة مسدودة عن الروح التي يوحي اسمها بالغموض والوضوح في آن واحد!

    شوقني الزمن الداخلي، وأتطلع لمعرفة نظرة الكاتب عنه.
    وبالرغم من أن التكيف غريزة لكل الكائنات تقريبًا، إلا أنه يشكل صعوبة خارقة لدى بعض الأشخاص، وهذا أمر يجعلني أفكر دائمًا بصراحة.
    أما فصل الفرد فأظنه مرعبًا قليلًا ويثير نقاشات داخلية حافلة!

    ألاحظ الرفض الشديد في كُتاب أواسط القرن العشرين الذين بدأت في عهدهم تتضخم التكنولوجيا، هذا الرعب لديهم والرفض الحاسم يذكرني بالعصبية التي ترافق الناس عند ظهور كل جديد ثم شيئًا فشيئًا يألفونه. والغريب أن كُتاب تلك الفترة يرون _بالمُجمَع_ أن التكنولوجيا ستزيل البشرية وتحل محلها وهذا مثلما أنه غريب وعجيب إلا أنه مثير للاهتمام حقًا، لقد لاحظتُ أن رواية “الساعة الخامسة والعشرين” لقسطنطين جيورجيو شددت بقوة على هذه النقطة، على الرغم من رفضي لمعظم تلك الفلسفة إلا أني فكرتُ بأن أي شخص كان سيكون مكانهم منا هل كان سيكون مثلهم؟!

    والله عجيب ان الكاتب ينفي صفة الفلسفة، الخلاصة له واضحة فلسفية وبالرغم من انني غسلتُ يدي من الفلسفة بيد أن الفصول تبدو مشوقة وبسيطة وليست مثل فلسفة نيتشة وابن سينا والبقية المعقدة بالنسبة لأشخاص لا يهتمون بالفلسفة العميقة بل بأثرها الطفيف بينهم. مع أنني بصراحة دخلتُ المقال فضولًا بسبب العنوان اللافت والشطر الجميل الذي بقي عالقًا في أذهان الكثير، وأنا أولهم.

    من المثير أن يقول كاتب فرنسي مثله الاقتباس الأخير، كنتُ أظن أن الفرنسيين أكثر الحالمين عن الدنيا وأنها لن تزول قط. مدهش.
    مقال أكثر من رائع، أعطانا نظرة عامة ولا شك مشوقة لقراءة الكتاب. شكرًا لهذه التحفة الجميلة، وبالتوفيق لك دائمًا👏🌷

    Liked by 1 person

أضف تعليق